تعد دراسة الإعلام الالكتروني وحقوق الإنسان إلي حد علمي هي الأولي وخاصة بالعربية في هذا المجال, وقد حدد فريق البحث مجموعة من الأسئلة واخذ علي عاتقة محاولة الإجابة عليها ألا وهي:
- هل يعتبر الانترنت وسيلة إعلامية وما يميزها عن سواها من الوسائل الاخري؟
- ما هي حقوق الإنسان التي نقصدها؟
- ما مكانة حقوق الإنسان بالنسبة للتشريعات في المنطقة العربية؟
- كيف تري المواقع الالكترونية حقوق الإنسان؟
- كيف تري مؤسسات حقوق الإنسان الانترنت؟
- ما معوقات مراعاة حقوق الإنسان في الخطاب الإعلامي أو معوقات استخدام مؤسسات حقوق الإنسان للإعلام الالكتروني؟
1 – الانترنت وسيلة اعلامية ملائمة
الإعلام هو عملية الاتصال التي يكون الطرف المتلقي فيها عدد كبير من الجمهور بغية نشر الأخبار و نقل المعلومات، وتغيير السلوك فهو يلعب دورا مهما في حياة الافراد والجماعات يؤثر فيها ويتأثر بها, يستخدمه الحكام لتصل أوامرهم ونواهيهم الي شعوبهم كما تستخدمه الدول في الحروب لبث روح التضحية في جنودها, وبث الوهن وروح الانهزام في جنود الأعداء ودائما ما تستخدم المجتمعات أشكال من الإعلام مناسبة لظروفها الاجتماعية والسياسية, فعلي سبيل المثال تستخدم الشعوب المقهورة والأقل تطورا (النكتة والإشاعة والبيانات التي توزع بشكل سري لتصل رسالتها), بينما تستخدم شعوب أخري أكثر انفتاحا وتطورا (الخطابة والجريدة والتليفزيون) وفي عصر ثورة الاتصالات حقق الانترنت وسيلة اتصال عالمية رخيصة الثمن نسبيا, كما يحقق الإعلامية في المواقع الالكترونية حيث زاد عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي عام 2007 نحو 29 مليون مستخدم ، من تعداد نحو 330 مليون نسمة ، أي أن نسبة مستخدمي الانترنت العرب نسبة لعدد السكان تبلغ نحو 8,7% من عدد السكان وهي زيادة هائلة مقارنة بإجمالي عدد مستخدمي الانترنت العرب في عام 1997 الذي لم يتجاوز 600 ألف مستخدم ، وهو ما يعني زيادة تبلغ نحو خمسون ضعفا في مدى عشر سنوات.
وقد خلصت نتائج دراسة أجراها الباحث السعودي (خالد الفرم) بعنوان"شبكة الإنترنت وجمهورها في مدينة الرياض، دراسة تطبيقية على ضوء نظرية الاستخدامات والإشباعات" إلى أن ما نسبته 25% يستخدمون شبكة الانترنت بهدف الحصول على أخبار ومعلومات سياسية لا تتوفر محليا.
كما قال الصحفي العراقي عبد المجيد المحمداوي رئيس تحرير مجلة (بغداد) "كانت خدمة الانترنيت لنا في العمل الملاذ الذي لا ملاذ غيره في نقل كل ما هو جديد للقارئ العراقي"
فقد سمح الانترنت كوسيلة اتصال للأفراد بالتواصل السريع تم التغلب فيه على التباعد الجغرافي و المسافات الشاسعة ما بين الدول و المجتمعات وأصبحت فيه سرعة نقل المعلومة من طرف لآخر لا تقاس بالدقائق بل بجزء من الثانية, كما سمح كوسيلة إعلامية للأفراد والجماعات على مستوى العالم بالتواصل حيث وجدوا فيه مساحة هائلة لتعبر عن أنفسهم بعيدا عن بطش الحكام أو كبت الحريات تحت مسميات مثل الخصوصية الثقافية ,
وقد استفادت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية بالإمكانيات التي أتاحها الانترنت من سرعة نقل الخبر وعدم الرقابة وتخطى الحدود القومية ويكفى مثلا أن نورد مثال الجماعات التي وقفت للتنديد بالحرب على العراق وكيف قامت المظاهرات فى العديد من الدول التي تفصل بينها البحار والمحيطات فى نفس الوقت.
كما ساهم في كشف العديد من قضايا التعذيب والقتل نذكر مثلا واقعة تعذيب عماد الكبير في مصر, التحرش الجنسي بوسط القاهرة, ووفرت خدمات البريد عمل حملات الضغط بوسائل رخيصة الثمن عالمية المشاركة والتأثير.
2 - مفهوم حقوق الإنسان
قام فريق البحث بتحديد ما نعنيه بحقوق الإنسان والمتمثل في العهدين الدوليين والمواثيق الدولية فكما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت وممثل أمين عام الأمم المتحدة في الصومال الدكتور غانم النجار ان الدراسة المتخصصة لإعلان حقوق الإنسان تثبت ان هذا الإعلان لم يكن صناعة غربية بل علي العكس فان الموقف الذي اتخذته الدول الكبرى وعلى الأخص الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق كان موقفا معيقا ومعاديا لصدوره , وان الإعداد والتحضير للإعلان مر بسبع مراحل تعرض فيها نص الإعلان للنقد والتعديل مرات عديدة و الإسهام العربي والإسلامي تحديدا في صياغته كانت فاعلة ومؤثرة إذ كان له دور بارز منذ بداية تشكيل لجنة حقوق الإنسان مما ينفي فكرة ان إقرار الإعلان كان أمرا مدبرا لفرض الفكر الغربي على الثقافات الأخرى ف"الوثائق تنقض هذا التصور جملة وتفصيلا".
3 - المكانة القانونية للمواثيق الدولية
يرى المستشار الدكتور علي رضا عبد الرحمن رضا نائب رئيس مجلس الدولة المصري في دراسة له بعنوان" مبدأ الاختصاص الداخلي أو المجال المحجوز للدولة في ظل التنظيم الدولي المعاصر "[1]
ان التناقض بين مفهوم السيادة الوطنية والقانون الدولي يعود لتداخل الاختصاص بين الدولة من جهة والمنظمات الدولية من جهة أخري و متي تتحول العلاقة الاجتماعية من علاقة داخلية إلى علاقة دولية والعكس؟ .
ويري ان كل من القانون الدولي وقانون العلاقات الدولية ينظم روابط وعلاقات اجتماعية لها في أحد عناصرها عنصرا أجنبيا أو دوليا . وقد يولد القانون الداخلي للدولة في تنظيمه لأمور داخلية أثارا دولية ومن ثم تدخل بذلك في نطاق القانون الدولي.
وان الصراع بين الدول المستقلة صاحبة السيادة وقواعد القانون الدولي ظهر مع تطور العلاقات الدولية, وتزايدها فيما بين تلك الدول وقد مال الميزان نحو سيادة القانون الدولي، بحيث تكون له السيادة علي القوانين الوطنية.
واسند القيام بالتدخل إلى المنظمات الحكومية وعلي رأسها منظمة الأمم المتحدة إذا ما وجدت الأحوال المبررة له.
كما ظهرت أفرع جديدة للقانون الدولي منها القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي أصبح الإنسان بذاته أو في مجموعة من الأقليات هو موضوعه والمخاطب بإحكامه. وتمثل قواعده خروجا عن سيادة الدولة والمجال المحجوز لها أو قيدا عليهما في بعض النواحي.
وهنا نذكر بقضية استدعاء الأستاذ إبراهيم نافع للمثول أمام قاضي التحقيق في فرنسا لقيامه بنشر مقال في جريدة الأهرام في 28 أكتوبر
فالعالم أصبح صغيرا جدا بحكم تطوره ويجب النظر للمواثيق والعهود الدولية من خلال كونها عالمية التوجه لا تقف أمامها الحدود القومية وقد قالها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان [2]"إن الدول المصممة على انتهاك سلوك إجرامي يجب أن تدرك أن الحدود لا تؤمن لها الحماية المطلقة ويجب أن لا نسمح بالاستمرار في انتهاك حقوق الإنسان نظامي وخطير في أي مكان من العالم".
4 – كيف تري المواقع الاعلامية حقوق الانسان
تطلبت معرفة مكانة حقوق الإنسان في الخطاب الإعلامي للمواقع العربية علي الانترنت تحديد العينة والحيز الزمني والمنهج البحثي وأدوات البحث
وقد تم تحديد العينة بثماني مواقع إعلامية ناطقة بالعربية لها تأثير كبير علي الرأي العام في المنطقة العربية, وتمثل طيف واسع من الخطاب الإعلامي.
كما تم استخدام المنهج المسحي مستعينين فيه بتحليل مضمون المادة باستخدام وسيلة تكنولوجية وفرها الانترنت لمستخدميه وهي ديمومة المادة وفهرستها من خلال قاعدة معلومات وذلك باستخدام إمكانية البحث داخل الموقع وتمت تجربة الدخول بكلمات مفتاحية خاصة بكل من حقوق المرأة, والأقليات, والتسامح مع الاخر, واللاجئين, حماية الحياة الخاصة ومرة أخري بكلمة حقوق الإنسان ومقارنة النتائج فكانت النسب شبه ثابتة
وتم تحيد عينة من المؤسسات الحقوقية تعمل في العديد من الحقوق ومنتشرة علي حيز جغرافي كبير حيث إنها تقع في العديد من الدول للفترة الزمنية الممتدة من الأول من يناير 2006 إلي الحادي والثلاثين من يناير 2006 , وهي تعتبر فترة طويلة تحقق ثبات الخطاب الإعلامي وتلغي فكرة الحدث الاستثنائي.
وتوصلت الدراسة إلي اعتماد المواقع الإعلامية وخاصة المتميزة منها بشكل أساسي علي سرعة نقل الخبر وسرعة الوصول إلي المعلومة داخل الموقع, محرك البحث.
كما تعتمد في جذب الجمهور علي العديد من المزايا والخدمات التي يقدمها الموقع للجمهور مثل:
التصميم الجذاب, والايميل المجاني, وعرض نص البرامج التليفزيونية (مكتوباً) مع تسجيل صوتي لها, والمشاركة المباشرة في البرامج التليفزيونية, التفاعل مع الجمهور من خلال استطلاعات الرأي والمنتديات, وخدمة أخر الإخبار ( RSS), والاعتماد علي الصورة وملفات الفيديو, وإرسال الأخبار إلى الهاتف المحمول, والتعليقات علي الموضوعات, أجندة فعاليات, النشرة الإعلامية للموقع, دليل المواقع بالإضافة إلي بعض الخدمات الاجتماعية والاستشارات.
النتائج العامة للدراسة :
1 - لم تتحول حقوق الإنسان كقيمة مرجعية لدي القائمين علي المواقع او الغالبية من الكتاب والصحفيين والمذيعين لغياب المعلومات الكافية عن حقوق الإنسان او للربط بين حقوق الإنسان والغرب ومشكلة تسييس حقوق الإنسان او لغياب الثقة في مصداقية الخبر الصادر عن المؤسسات الحقوقية الذي يعود اما الي نظرية المؤامرة او الارتباط بين الغرب والاستعمار بما يحمله من قيم سلبية لذلك مثلت أخبار مؤسسات حقوق الإنسان ذاتها موضوع يتم تناوله.
2 - تم تعامل المواقع محل الدراسة مع العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان برؤى مختلفة تتدرج من الرفض المطلق إلى الريبة وذلك باعتبار إنها أفكار أجنبية قادمة من الغرب المختلف إلى المزايدة على هذه العهود باعتبار أن الشرق سبق الغرب في حقوق الإنسان ويتم استدعاء أحداث تاريخية لحالات من هنا أو هناك للتدليل على وجهة النظر هذه أو في أفضل الأحوال قبول المصطلحات وتفسيرها او اختزالها بشكل يناسب افكار الموقع ومعتقداته مستبعدا ما يراه مخالفا لوجهة نظرة بينما يتم اللجوء الي المواثيق والعهود الدولية والمنظمات الدولية فقط في حالات تمس السيادة الوطنية متغافلين إن العالم أصبح كما يقولون قرية صغيرة ولا يمكن أن ينظر لحقوق الإنسان إلا من الإطار العالمي
3 - انتقلت عدوي وسائل الإعلام التقليدية إلي الانترنت كون ما يتم تناوله على المواقع الإعلامية هو الأعلى صوتا والأكثر حركة كالسياسيين المشاهير في الفن والرياضة بالإضافة إلي الأحداث الكبرى وهو ما يعتقد القائمين على المواقع انه خبر يهم الرأي العام مع إهمال الفئات التي تحتاج الي المساندة الإعلامية
معوقات استفادة مؤسسات حقوق الانسان بالانترنت
بالنسبة للمؤسسات حقوق الإنسان فقد استفاد القليل جدا منها بالانترنت كوسيط إعلامي أو في الاتصال المباشر الا نه وبشكل عام فان أغلبية المؤسسات لم تستفيد منه بالشكل الكافي,
وتعود عدم الاستفادة إلي العديد من العوائق الذاتية أو الموضوعية مثل:
1 - عدم الوعي بأهمية دور الانترنت كوسيلة إعلامية
2 - عدم وجود نشطاء حقوقيين مدربين تقنيا
3 - عدم وجود عناصر الجذب والتفاعلية مع الجمهور
4 - قيام أفراد او شركات غير واعية بعمل المواقع فتغيب الرسالة في شكل الموقع
5 - كبر سن القائمين علي المؤسسات الحقوقية وصعوبة تعلمهم تقنيات الانترنت
6 - عدم وجود الموارد الكافية لاستخدام الانترنت والقيام بتكاليف عمل موقع
7 - غياب حماية الملكية الفكرية
8 – التضييق الحكومي علي النشطاء في استخدام الانترنت كما في الحالة التونسية
وقد طرحت في ورشة العمل التي أقامتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في العاشر من شهر ابريل عام 2007 عدد من الحلول للتعاون وتبادل الاستفادة بين المواقع الإعلامية ومؤسسات حقوق الإنسان منها استفادة المواقع الإعلامية بمنسقي الإعلام في المؤسسات الحقوقية في الحصول علي المعلومات, وطرحت بعض المؤسسات الإعلامية تخصيص مساحة لمؤسسات حقوقية
[2] - http://www.shrc.org.uk/data/aspx/d7/2347.aspx